هل شعرت يومًا بانتعاش قهوة ستاربكس فور دخولكِ الفرع؟ أو بتلك الأناقة الراقية التي تشعر بها عند استخدامك منتجات آبل؟ هذه ليست مجرد مصادفة! كل ما حولنا مصمم بعناية فائقة ليؤثر على حواسنا ودفعنا لاتخاذ قرارات الشراء. في هذه التدوينة ستتعرف على عالم التسويق الحسي، هذا العلم الذي تستخدمه كبار العلامات التجارية للتأثير بشكل سحري على عقولنا وقلوبنا.
ما هو التسويق الحسي؟
التسويق الحسي (Sensory Marketing) هو أسلوب ابتكاري تتبعه الشركات لجعل المستهلكين يتفاعلون مع منتجاتها وخدماتهم بطريقة أكثر عمقاً من خلال التأثير على إحدى حواسهم الخمس أو أكثر. فهو يخلق، دون وعي المستهلك، تجارب حسية غنية تؤثر بشكل مباشر على قرارات الشراء، وذلك من خلال استهداف تصوراتهم وتشجيعهم على بناء علاقة عاطفية مع العلامة التجارية. هذه التقنية تمنح المستهلك تجربة فريدة لا تُنسى، ويزداد أثرها عندما تستهدف الحملة أكثر من حاسة في آن واحد.
مثال على التسويق الحسي من شركة قيسو
Gisou هي علامة تجارية للعناية بالشعر والجمال، أسستها نيجين ميرسالي، وهي مستوحاة من وصفة عائلية للعسل. حيث تمتلك العائلة مزرعة عسل خاصة بها. تشتهر Gisou بزيت شعرها المعروف بتركيبته الغنية بالعسل الذي يعمل على تغذية وتقوية الشعر. كما تقدم العلامة مجموعة متنوعة من منتجات العناية بالشعر الأخرى مثل الشامبو والبلسم وأقنعة الشعر وملمع الشفاه. تتميز منتجات Gisou بتركيباتها الفاخرة والتي تحتوي على العسل ورائحتها العطرية المميزة.
عند التسويق لمنتجاتها قامت بوضع منتجاتها في ثلاجة صغيرة بها المنتجات مع المكونات من الفواكه مثل الأناناس وجوز الهند بالمنتجات التي تحتوي على هذه المكونات، وأيضًا ثلاجة أخرى وردية لملمع الشفاه بالفراولة والبطيخ مع وضعهم بالتأكيد في الثلاجة مع الفواكه الصيفية الأخرى التي من ضمن مكوناته، هذا بالتأكيد يحفز الحواس والناس على شراء هذه المنتجات. قامت مؤسسة البراند، نيجين ميرسالي بصنع البينا كولادا الذي من مكوناته جوز الهند والأناناس على وسائل التواصل الاجتماعي عند إطلاق المنتج لأول مرة للتسويق لملمع الشفاه بجوز الهند!
ولعل أبرز ما لفت انتباهي في حملات "قيسو" التسويقية هو استخدام عنصر الندرة. ففي إحدى الحملات، أعلنت الشركة عن إطلاق نكهة جديدة محدودة الإصدار من ملمع الشفاه بنكهة الكرز، وقامت بعرض المنتج في إعلان مصاحب لكعكة مزينة بالكرز لقد كانت الحملة تبدو شهية بالإضافة لاستخدام أغنية مناسبة تم ذكر الكرز فيها! إن هذه الاستراتيجيات التسويقية الذكية التي تعتمد على الربط بين المنتج والحواس، واستخدام عنصر الندرة، هي عوامل أساسية في نجاح الحملات التسويقية المعاصرة.
الحواس الخمسة في التسويق الحسي
تلعب الحواس الخمس دورًا حيويًا في تقييمنا اليومي للتجارب التي نمر بها. هذه الحواس بمثابة نوافذ تتيح لنا إدراك قيمة العلامات التجارية وفهم ما يميزها عن غيرها. دعونا نستكشف كل حاسة على حدة ونرى كيف تستغلها العلامات التجارية الشهيرة في تسويق منتجاتها وخدماتها.
1. حاسة البصر
تعتبر حاسة البصر هي الحاسة المسيطرة على باقي الحواس، ولذلك يحظى التسويق البصري بأهمية بالغة في عالم الإعلانات. من خلال التركيز على الألوان والأشكال والتصاميم، يستخدم المسوقون أدوات بصرية قوية لبناء هويات علامات تجارية لا تُنسى.
تأثير الألوان: لكل لون تأثير نفسي خاص به. على سبيل المثال:
الأحمر: يحفز، يثير، ويجذب الانتباه. (مثال: كوكاكولا)
الأزرق: يبعث على الطمأنينة، الثقة، والهدوء. (مثال: فيسبوك)
الأخضر: يرمز إلى الطبيعة، النمو، والتوازن. (مثال: العديد من العلامات التجارية البيئية)
التصميم والخطوط: تلعب التصاميم والخطوط دورًا حاسمًا في نقل هوية العلامة التجارية. تصميم شعار Apple البسيط والأنيق مثلاً يعكس فكرة الابتكار والحداثة.
2. حاسة السمع
تلعب حاسة السمع دورًا حاسمًا في تسويق المنتجات والخدمات. فالموسيقى والأصوات التي ترتبط بعلامة تجارية معينة يمكن أن تخلق روابط عاطفية قوية لدى المستهلكين، وتترك انطباعًا لا يُمحى في أذهانهم. يمكن للموسيقى أن تثير مجموعة واسعة من العواطف، من السعادة والحماس إلى الحزن والهدوء. هذا الارتباط العاطفي يمكن أن يجعل المستهلكين يشعرون بالارتباط بعلامة تجارية معينة. الألحان والأصوات المميزة سهلة التذكر، مما يساعد على تعزيز الوعي بالعلامة التجارية. ويمكن للموسيقى أن تخلق أجواء إيجابية وتشجع المستهلكين على البقاء في المتجر لفترة أطول وإجراء المزيد من عمليات الشراء.
ومع انتشار منصات التواصل الاجتماعي، أصبح التسويق الصوتي أكثر أهمية من أي وقت مضى. يمكن للعلامات التجارية استخدام مقاطع الفيديو القصيرة والصوتية لجذب انتباه الجمهور ومشاركة محتواها. لذا من المهم عند التسويق اختيار الموسيقى والأصوات بعناية، يجب أن تتناسب الموسيقى والأصوات مع هوية العلامة التجارية والقيم التي تمثلها. لا تنس استخدام الأصوات المميزة، حيث يمكن أن تساعد في خلق تجربة فريدة للمستهلك. قم بدمج الصوت مع العناصر البصرية الأخرى، يمكن أن يؤدي الجمع بين الصوت والصورة إلى خلق تجربة أكثر قوة.
إذا قمت بمتابعة "داموستحيل" في صغرك، قد تتذكر في إحدى الحلقات قام دكتور دراكين بتصنيع شامبو ومحاولة بيعه للسيطرة على عقول الناس من خلاله، لكن لم يشتريه أحد إلا بعد نشره لأغنية راب رنانة جذبت الشباب لشرائه، بعض مسلسلات الطفولة قد لا ندرك وقتها ما يحصل لكن عند مشاهدتها مرة أخرى ونحن كبار سنجد دروس قد غفلنا عنها أو لم نعيها عندما كنا صغارًا. وهذا يذكرني بحملة "خلك حريص" للجنة الإعلام والتوعية المصرفية بالبنوك السعودية للتوعية ضد الاحتيال المالي، استخدمت هذه الحملة أغنية جذابة لتوعية الجمهور حول المخاطر المالية مع محاولة استهداف جميع شرائح المجتمع مما ساهم في انتشارها بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي.
وهناك مثال معروف أكيد وهو نغمة ماكدونالدز في الإعلانات "Ba-da-ba-ba-ba - I'm lovin' it" أو ما تُسمى بالجنغل وهي نغمة أو موسيقى تستخدمها العلامة التجارية بشكل متكرر حيث أنها تعبر عنها بحيث في كل مرة يسمع فيها الشخص لها يتذكرها. ويمكن استخدام أصوات المنتجات في التسويق مثل صوت فتح علبة الصودا أو صوت تشغيل الهاتف الذكي هي أمثلة على الأصوات التي ترتبط بمنتجات معينة. مثل إعلانات المشروبات الغازية تستخدم هذه الإعلانات موسيقى حيوية وأصوات منعشة لتعزيز صورة المنتج. وصوت التشغيل المميز لنيتفلكس يرتبط على الفور بالمنصة ويوحي بتجربة مشاهدة ممتعة. والموسيقى الساحرة التي ترافق شعار ديزني التي تثير مشاعر السعادة والحنين إلى الطفولة.
3. حاسة اللمس
على الرغم من أن حاستي البصر والسمع تحظيان باهتمام أكبر في عالم التسويق، إلا أن حاسة اللمس تلعب دورًا حاسمًا في تجربة المستهلك. فلمس المنتج قبل شرائه يعطي المستهلك فكرة واضحة عن جودته وملمسه والراحة مما يؤثر بشكل كبير على قرار الشراء. يسمح لمس المنتج للمستهلك بتقييم جودته ومقارنته بمنتجات أخرى، عندما يلمس المستهلك منتجًا، يشعر بمزيد من الثقة في قرار الشراء. تجعل تجربة لمس المنتج عملية تسوق أكثر متعة وإثارة. ويمكن أن يؤدي لمس المنتج إلى زيادة المبيعات، خاصة بالنسبة للمنتجات التي تتطلب تقييمًا حسّيًا.
يمكن توفير عينات مجانية من المنتجات للسماح للعملاء بتجربتها. إنشاء تجارب تفاعلية تسمح للعملاء بالتفاعل مع المنتجات بشكل مباشر. وتصميم عبوات المنتجات بحيث تشجع العملاء على لمسها. أيضًا يمكن توفير بيئة تسوق مريحة تسمح للعملاء بالاسترخاء واستكشاف المنتجات. في التجارة الإلكترونية يمكن استخدام الصور عالية الدقة وفيديوهات المنتج لتعويض عدم القدرة على لمس المنتج بشكل مباشر. ادمج حاسة اللمس مع الحواس الأخرى لخلق تجربة تسويقية أكثر شمولية، ويجب تدريب موظفي المبيعات على كيفية مساعدة العملاء على تجربة المنتجات بشكل فعال.
على سبيل المثال تتيح صالات عرض السيارات للعملاء تجربة قيادة السيارات قبل الشراء، مما يساعدهم على تقييم راحتهم و أدائها. وتشجع متاجر الملابس العملاء على تجربة الملابس قبل شرائها، مما يسمح لهم بتقييم المقاس والتناسب والملمس. وتتيح متاجر الأثاث للعملاء لمس الأثاث وتجربته، مما يساعدهم على تخيل كيف سيبدو في منازلهم. وتشجع متاجر الإلكترونيات العملاء على تجربة الأجهزة الإلكترونية قبل الشراء، مما يسمح لهم بتقييم حجمها ووزنها وميزاتها.
كيف تستطيع بيع منتج في 30 ثانية؟
اجعل عميلك يلمس ويجرب المنتج! حسب علم النفس هذه المدة تخلق رابطة ما بين العميل والمنتج وكلما زادت المدة كلما زادت فرصة الشراء. على سبيل المثال متاجر آبل تستعرض كل منتجاتها حتى يجربها العميل ويلمسها ويختبرها قبل الشراء فعليًا. هذا يجعل العملاء يثقون في آبل ويحفزهم على الشراء. وأيضًا تم تصميم صالات العرض في ايكيا حتى يستطيع العملاء لمس الأثاث وإكسسوارات المنزل وتجربتها، وهذا يسمح لهم بتصور هذه المنتجات في منازلهم الخاصة والشعور بجودتها. حاسة اللمس هي أداة تسويقية قوية يمكن استخدامها لتعزيز تجربة المستهلك وزيادة المبيعات. من خلال السماح للعملاء بتجربة المنتجات بأنفسهم، يمكن للشركات بناء علاقة أقوى مع عملائها وزيادة ولائهم للعلامة التجارية.
4. حاسة الشم
حاسة الشم هي واحدة من أقوى حواسنا ارتباطًا بالذاكرة والعواطف. تستخدم الشركات هذه الحقيقة لخلق تجارب تسويقية لا تُنسى وربط منتجاتها بمشاعر إيجابية. ترتبط الروائح ارتباطًا وثيقًا بالذاكرة. يمكن لرائحة معينة أن تسترجع ذكريات الماضي وتثير مشاعر معينة. تؤثر الروائح على مزاجنا وعواطفنا. يمكن للروائح اللطيفة أن تخلق شعورًا بالراحة والسعادة، بينما يمكن للروائح الكريهة أن تسبب الإزعاج والنفور. ويمكن للروائح أن تؤثر على قرارات الشراء. فرائحة لطيفة يمكن أن تشجع العملاء على البقاء في المتجر لفترة أطول وإنفاق المزيد من المال.
عند اختيار رائحة تذكر بأنه يجب أن تتناسب الرائحة مع هوية العلامة التجارية والمنتج. يجب استخدام الرائحة بكميات صغيرة حتى لا تصبح مزعجة ودمج الرائحة مع العناصر الأخرى في التسويق، مثل الإضاءة والموسيقى. إن حاسة الشم هي أداة تسويقية قوية يمكن استخدامها لخلق تجارب عملاء لا تُنسى. من خلال استخدام الروائح بشكل استراتيجي، يمكن للشركات بناء ولاء العملاء وتعزيز مبيعاتها.
تعتبر الرائحة عنصرًا أساسيًا في صناعة الأغذية. فرائحة القهوة الطازجة في مقهى ستاربكس على سبيل المثال، تجذب العملاء وتشجعهم على طلب كوب من القهوة. يستخدم وكلاء العقارات الروائح المريحة، مثل رائحة الكعك والكوكيز، لجعل المنازل المعروضة تبدو أكثر جاذبية وراحة وأُلفة. وتستخدم بعض متاجر الملابس روائح خفيفة لخلق أجواء مريحة وجذابة، ما جذبني في أحد محلات الملابس الخاصة بفساتين السهرة هي استخدام روائح البخور التي يمكن شمها في المناسبات وقاعات الأفراح للتأثير على قرار الشراء. وتستخدم الفنادق روائح مميزة لخلق جو من الفخامة والاسترخاء. أيضًا تستخدم شركات السيارات الفاخرة روائح مميزة لخلق تجربة فاخرة للعملاء. على سبيل المثال تستخدم شركة السيارات رولز رويس عطر برائحة الجلد والخشب عند جلب العميل سيارته للورشة حتى يشعر العميل وكأن سيارته جديدة.
5. حاسة التذوق
حاسة التذوق هي حجر الزاوية في صناعة الأغذية والمشروبات. فما أجمل أن تتذوق شيئًا جديدًا ويعجبك طعمه! هذه التجربة البسيطة هي التي تدفعنا لشراء منتج ما مرة أخرى والتحدث عنه مع الآخرين. تمنح العينات المجانية العملاء فرصة تجربة المنتج قبل الشراء، مما يزيد من احتمالية إقبالهم عليه. عندما يرضى العميل عن طعم المنتج، فإنه يثق في العلامة التجارية ويصبح أكثر ولاءً لها. وتساعد العينات المجانية على التغلب على تردد المستهلكين تجاه المنتجات الجديدة، وتجعل تجربة التذوق عملية التسوق أكثر متعة وتفاعلية.
توفر محلات السوبر ماركت عينات مجانية من الأطعمة والمشروبات الجديدة. وتقدم المطاعم وجبات صغيرة أو مقبلات مجانية لجذب العملاء. وتسمح شركات العطور العملاء بتجربة العطر قبل الشراء. وتقدم شركات المشروبات عينات مجانية في الأحداث والمناسبات حتى يتم تجربتها والتسويق لها. اختر النكهات المناسبة، يجب أن تكون النكهات التي تختارها متوافقة مع هوية علامتك التجارية. يجب تقديم العينات في الوقت المناسب وفي المكان المناسب. شجع العملاء على مشاركة آرائهم حيث يمكن أن تساعد آراء العملاء في تحسين منتجاتك. يمكن استخدام منصات التواصل الاجتماعي لعرض صور ومقاطع فيديو جذابة للعينات.
على سبيل المثال أعجبتني فكرة هايلي بيبر عند إطلاقها لمنتجها الخاص بالشفاه بنكهة القرفة من علامتها التجارية Rhode، كان اسم المنتج "سينامون رول" كانت الصور تحتوى على سينامون رول مما يحفز التذوق خاصة وأن المنتج غير قابل للأكل ولكن يحفز التذوق والشم، وحتى أنها تعاونت مع كافيه لإنشاء مشروبات تحتوي على القرفة فربطت منتجها الغير قابل للأكل بشيء يمكن أكله مثل ما فعلت شركة قيسو، كما ذكرت في بداية التدوينة. ومثال آخر شركة Skims الخاصة بكيم كارداشيان أطلقت مجموعة ملابس دافئة وربطتها بالوافل بسبب استخدام قماش الوافل.
ما رأيك في هذه التدوينة؟ اكتب في التعليقات في حال مرورك بتجارب حسية حفزتك على شراء أحد المنتجات. شارك هذه التدوينة أيضًا لنشر الوعي حول التسويق الحسي وأهميته.
0 تعليقات
شكرًا لزيارتك مدونتي، شارك التدوينات التي تعجبك على وسائل التواصل الاجتماعي. وإذا كان لديك أي اقتراح أو استفسار يمكنك كتابته في التعليقات.