التسويق الاجتماعي

في عام 1991 تعرض رودني كينغ مواطن أمريكي من أصل افريقي للضرب من قبل الشرطة في لوس انجلوس، وأثارت هذه القضية المعروفة بـ"قضية رودني كينغ" لأعمال شغب كبيرة في المنطقة ومنها حرق المباني والشركات، ما عدا خمسة مطاعم لماكدونالدز! فما السبب وراء ذلك؟

قابل علماء الاجتماع من جامعة ستانفورد الأشخاص الذين شاركوا في أعمال الشغب لمعرفة سبب عدن حرقهم لمباني ماكدونالدز، ووجدوا أن شركة ماكدونالدز ساهمت في تزويد الشباب بكرات السلة، والتي تعتبر لعبتهم المفضلة، خاصة في المناطق الفقيرة ومنخفضة الاقتصاد. وكما أنها كانت توزع عليهم قهوة مجانية كل صباح. لذلك لم يتم حرق مباني مطاعم ماكدونالدز، بسبب دورها في مساعدة المجتمع. هذا يعلمنا بأن المشاركة في قضايا المجتمع أمر مهم لبناء علاقة قوية مع العملاء. وهذا مثال على التسويق الاجتماعي. فما هو التسويق الاجتماعي؟

التسويق الاجتماعي

التسويق الاجتماعي (Social Marketing) هو نهج تسويقي يستخدم مبادئ العلوم الاجتماعية والتسويق لتعزيز السلوكيات المرغوبة لصالح الأفراد والمجتمع. ومن المبادىء الأساسية المستخدمة هي التركيز على الجمهور وفهم احتياجاتهم ودوافعهم والمشاكل التي يواجهونها. وكذلك تغيير سلوك الجمهور المستهدف، ومن ضمنه تغيير موقفهم أو معتقداتهم. 

ويتم استخدام الأعراف الاجتماعية للتأثير في حملات التسويق الاجتماعي وهذا يعني أن معظم الناس ستتبع السلوك المرغوب والأكثر اتباعا حسب المتعارف عليه في المجتمع، وهذا حقًا يؤثر بشكل كبير على سلوك المستهلك. وأخيراً، إن حملات التسويق الاجتماعي أخلاقية لا يوجد بها أي تلاعب، ومفيدة للجمهور المستهدف والمجتمع. 

من الممكن أن تتبرع الشركات لتحسين صورتها العامة، وزيادة المبيعات، ودعم قضية تؤمن بها ويؤمن بها عملاؤها كذلك لكسب ولائهم. وفي الغالب في التسويق الاجتماعي تتعاون الشركات مع المنظمات غير الربحية لتعزيز ودعم القضايا في مجالات مختلفة مثل الصحة العامة وحماية البيئة والعدالة الاجتماعية.

التسويق الاجتماعي في مجال الصحة العامة

بالنسبة لتعزيز الصحة العامة للفرد والمجتمع، من الممكن استخدام حملات التسويق الاجتماعي لتشجيع الناس على تبني السلوكيات الصحية، مثل الإقلاع عن التدخين، أو تناول الطعام الصحي، أو الحصول على التطعيمات. ومثال على ذلك حملة "Friends Don't Let Friends Smoke" التي نفذتها جمعية القلب الأمريكية، وتشجع الحملة على الإقلاع عن التدخين وأن الصديق الحقيقي لن يترك صديقه يدخن بل سوف يواجهه وينصحة. وتم نشر إحصائية تؤكد بأن غالبية الناس غير مدخنين مما حفز على الإقلاع عن التدخين بسبب الأعراف الاجتماعية ورؤية أن التدخين أمر غير مقبول في المجتمع. 

ومثال آخر على التسويق الاجتماعي في مجال الصحة العامة، في أكتوبر تعاونت بعض الشركات مع جمعية زهرة للتوعية بسرطان الثدي والتبرع بنسبة من مبيعاتهم لهذه الجمعية مثل مقهى إيرث كافيه. أو عمل خصم لأعضاء الجمعية مثل عدسات ديفا. وحتى المباني والفنادق شاركوا في التوعية بالقضية من خلال إضاءتهم للمباني باللون الوردي طوال شهر أكتوبر مثل فندق حياة ريجنسي الرياض العليا بالتعاون مع جمعية زهرة.

التسويق الاجتماعي في مجال حماية البيئة

يمكن استخدام حملات التسويق الاجتماعي لحماية البيئة وتشجيع الناس على إعادة التدوير، أو الحفاظ على الطاقة، أو استخدام وسائل النقل العام. مثل تعاون شركة مبكو مع مشروع الوقف العلمي بجامعة الملك عبد العزيز تحت عنوان "لا ترمها بل اوقفها"، هدفها رفع الوعي بالحفاظ على البيئة وتدوير الأوراق والمخلفات الورقية بدل التخلص منها بطرق غير آمنة على الصحة والبيئة المحيطة، بالإضافة للاستفادة من أرباح عملية إعادة التدوير في مشاريع الوقف العلمي والتي تخدم مختلف فئات المجتمع. 

ومثال آخر حملة #ساعة_الأرض (Earth Hour) تشجع هذه الحملة الناس على إطفاء الاضواء والأجهزة الإلكترونية لمدة ساعة واحدة في يوم السبت الأخير من شهر مارس. وهي حملة عالمية مستمرة بدأت في عام 2007، وساعدت في رفع مستوى الوعي بأهمية الحفاظ على الطاقة.

التسويق الاجتماعي في مجال العدالة الاجتماعية

من الممكن استخدام حملات التسويق الاجتماعي لتعزيز قضايا العدالة الاجتماعية، مثل إنهاء العنف المنزلي، أو مكافحة الفقر والعدل بين جميع أفراد المجتمع. مثال على ذلك، مساهمة الشركات في التبرع لحملة الإغاثة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة بعد تدهور الاوضاع الإنسانية، هدف الحملة توفير الغذاء والدواء والمأوى والمياه الصالحة للشرب وذلك عبر منصة ساهم التابعة لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية. وهذا يزيد من ولاء العملاء للشركات المساهمة ويزيد من مبيعاتها ويحسن صورتها العامة. 

مثل ماكدونالدز، التي تم عمل حملة مقاطعة ضدها، لأن الوكيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة كان يعطي جيش الاحتلال وجبات مجانية. لكن ماكدونالدز السعودية أصدرت بيانًا توضح فيه أنها غير مسؤولة عن الوكلاء للشركة العالمية "ماكدونالدز"، وجميع أرباحها تذهب للشركتين السعودية التابعة لها، وكذلك شاركت في التبرع لحملة الإغاثة عبر منصة ساهم. وتطبيقات التوصيل ساهمت كذلك مثل تطبيق هنقرستيشن الذي وضع في الصفحة الرئيسية عن حملة الإغاثة للشعب الفلسطيني لتشجيع العملاء على التبرع لهم، وهذه الحملة تهم الجميع حيث أن القضية الفلسطينية من قضايا العرب والمسلمين الأولى في حياتهم. 

ومثال آخر الحملة التوعوية للعناية بقضايا ذوي الإعاقة بمحافظة عدن في اليمن والتي أطلقها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية عام 2022، وكان الهدف من الحملة هو تعليم طلاب محو الأمية وذوي الإعاقة وتنمية قدراتهم والاحتفال بأسبوع الأصم العربي. 

وفي الختام، يعتبر التسويق الاجتماعي أداة قوية يمكن استخدامها لإحداث فرق حقيقي في العالم. وهذه كانت بعض الأمثلة في مجالات مختلفة منها تعزيز الصحة وحماية البيئة والاهتمام بالقضايا والعدالة الاجتماعية.